عفرين.. معضلة إنسانية بانتظار الإنصاف بعد سبع سنوات عجاف

مهّد سقوط نظام البعث الطريق لعودة الملايين من السوريين المهجرين داخلياً إلى أراضيهم وبيوتهم، باستثناء آخرين مورس بحقهم التمييز وعلى رأسهم أهالي عفرين، المدينة التي احتلت منذ 7 سنوات ولا زال حلم العودة "معلقاً"، فما الذي شهدته المدينة خلال تلك الحقبة، وهل يمكن اعتبار الحوار مفتاحاً لحل هذه المعضلة الإنسانية؟.

عفرين.. معضلة إنسانية بانتظار الإنصاف بعد سبع سنوات عجاف
عفرين.. معضلة إنسانية بانتظار الإنصاف بعد سبع سنوات عجاف
عفرين.. معضلة إنسانية بانتظار الإنصاف بعد سبع سنوات عجاف
عفرين.. معضلة إنسانية بانتظار الإنصاف بعد سبع سنوات عجاف
عفرين.. معضلة إنسانية بانتظار الإنصاف بعد سبع سنوات عجاف
الأربعاء 19 آذار, 2025   02:30
حلب
محمد عبدو

عفرين المدينة الكردية التي تقع في أقصى الشمال الغربي من سوريا بمساحة تمتد إلى /3850 كم٢/، وتنقسم المنطقة إلى سبعة نواحي يتبع لها إداريّاً 366 قرية، أما عدد سكانها فيبلغ 523،258 نسمة، وفق آخر إحصاء معتمد من قبل الهلال الأحمر السوري لعام 2010.

تعد المدينة من إحدى البؤر الكردية الثورية التي انتفضت بوجه حكم آل الأسد عام 2004 للالتحاق بانتفاضة قامشلو، ولرفض سياسات الإقصاء، وعمل أهلها على تحرير مناطقهم من نظام البعث المنهار عام 2012، وتنظيم أنفسهم لتدخل المدينة في مرحلة ازدهار غير مسبوق على مدار 6 سنوات.

إلا أن المكتسبات المتحققة تعرضت لمخطط بين نظام الأسد وداعميه الروس وأنقرة، وانتهت باحتلال المدينة قبل 7 سنوات، إلا أن مقاومة الأهالي لازالت مستمرة.

نستعرض في هذا التقرير المعد في ذكرى احتلال مدينة عفرين السورية، الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى احتلال المدينة، إلى جانب توثيقات مرفقة بإحصائيات الجرائم المرتكبة، وطرق تعاطي السلطة في دمشق مع ملف المناطق المحتلة.

كيف بدأ الهجوم التركي على عفرين؟

بدأ الهجوم العسكري لجيش الاحتلال التركي ومرتزقته لعفرين في 20 كانون الثاني 2018 تحت ما أسماها "عملية غصن الزيتون"، بعد تفاهمات مع الجانب الروسي المنحاز لنظام البعث، والذي انسحب من قواعده في عفرين وترك الأجواء السورية عرضةً للتدخلات التركية مقابل الضغط على المرتزقة التابعين لها للانسحاب من محيط دمشق وبالتحديد من الغوطة وفق صفقة مهدت لظهور ما يسمى مناطق خفض التصعيد.

واعتبر الهجوم آنذاك انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، تحت بند مهاجمة أراضي دولة ذات سيادة دون إذن من السلطات الرسمية التي كانت تتبع لحزب البعث المنهار، والتي اكتفت بإدلاء ببيانات دون تحرك على أرض الواقع، واتفقت تحت الطاولة مع المحتلين لصون كرسي الحكم في دمشق، ما أسهم في إطالة عمرها لعدة سنوات وعمّق جراح السوريين بسبب رفضها للحوار.

ولتخوّف الاحتلال التركي من ردّة فعل الشارع أمام مقتل جنوده في حرب لا مبرر لها، سارع للتعاقد مع المرتزقة السوريين وجهاديين سابقين في صفوف مرتزقة داعش للزج بهم في المعارك. وقد قُدّر عددهم بـ 25 ألفاً، ارتكبوا الفظائع في عفرين التي لم تخفَ على العيان.

كما شارك حوالي 6400 جندي من جنود الاحتلال التركي، بالإضافة إلى أعضاء من تنظيم ما يسمى بـ (الذئاب الرمادية) بأعداد قدرت بالآلاف بحسب مراقبين.

خلال تلك الهجمات حذر عدد من المراقبين الدوليين من انتهاكات دولة الاحتلال ومرتزقتها، مثل المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، وتطابق هذا مع تشخيص هيومن رايتس ووتش، التي انتقدت تركيا لأنها "فشلت في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين" أثناء الهجوم، حيث قالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، لما فقيه: "يبدو أن المدنيين المستضعفين يواجهون النزوح والموت بسبب الطريقة التي يتم بها شن هجوم تركيا الأخير".

ودمرت الغارات الجوية للاحتلال التركي إلى جانب البنى التحتية العديد من المباني القديمة، بما في ذلك كنيسة جوليانوس - التي تعد واحدة من أقدم المعابد المسيحية في العالم، ومعبد عين دارا الشهير من العصر الحديدي، وقبر ماروني مارون وموقع براد (الذي كان من مواقع التراث العالمي لليونسكو)، كما تم تدمير الأديرة والمقابر البيزنطية في العصر الروماني.

بعد 58 يوماً من مقاومة وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، إلى جانب أبناء وبنات المدينة، بوجه الهجمات و63 يوماً من القصف باستخدام جميع أنواع الأسلحة المحرمة، ومن بينها النابالم والفوسفور والقنابل العنقودية دون هوادة، احتلت تركيا ومرتزقتها عفرين وبدأ مسلسل آخر للجرائم.

إذ دمر جيش الاحتلال التركي ومرتزقته فور دخوله لعفرين تمثال كاوا الحداد الذي يُعدّ رمزاً للحرية وللانتصار على الظلم في الميثيولوجيا الكردية، لتكون نقطة فارقة لبدء حقبة الظلم المستدام على مدار السبع سنوات الماضية.

ومهدت هذه الأفعال تهجير حوالي 400 ألف مدني بشكل قسري باتجاه مقاطعة الشهباء من طريق جبل الأحلام الشهير.

لكنهم هجروا مرة ثانية من مقاطعة الشهباء قبل عدة أشهر في 1/12/2024 قسراً تحت تهديد السلاح، باتجاه الطبقة والرقة وحلب، بعد هجوم مماثل لما حصل في عفرين.

إلا أن قضية عفرين لا تزال باقية وعلى أجندة العديد من الأطراف الرئيسة وعلى رأسها الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.

حصيلة 7 أعوام من الإبادة

على الرغم من تغير المشهد السياسي بشكل جذري مع سقوط نظام البعث، إلا أن مأساة عفرين مستمرة ودخلت عامها السابع بمزيد من الضحايا والكوارث المفتعلة بيد جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، مع عدم تدخل جدي من السلطة الحالية بدمشق.

فبحسب ما وثقناه كوكالة بالتعاون مع منظمة حقوق الإنسان في عفرين- سوريا على مدار الـ 7 سنوات الماضية بدءاً من احتلال المدينة وتهجير سكانها قسراً جرى التأكيد على إقدام جيش الاحتلال التركي ومرتزقته على قتل (773) مدنياً بالتوازي مع عشرات حالات الانتحار بسبب القهر والظلم.

بالإضافة إلى خطف وتعذيب أكثر من (9740) مدنياً بينهم (1288 امرأة) و (610 أطفال)، بدافع الضغط على العوائل لدفع الفديات المالية مع تعرض المئات من النساء المختطفات لحالات اغتصاب واعتداء جنسي، مع توفر العديد من الشهادات الحية التي نشرت في أوقات سابقة على صفحات وكالتنا.

فيما تم قطع أكثر من (411.420) أي ما يقارب نصف مليون شجرة مثمرة وحراجية تصل أعمار بعضها إلى 320 سنة أو أكثر، بهدف العمل على المتاجرة بالأخشاب وبيعها، بالإضافة إلى حرق 12597 هكتاراً من الأراضي الزراعية على يد مرتزقة دولة الاحتلال التركي.

كما استولى جيش الاحتلال التركي ومرتزقته على ممتلكات أهالي عفرين المحتلة، وتقدر بـ 7 آلاف محل تجاري و10 آلاف منزل.

ويمكن القول إن كل ما تم توثيقه حتى الآن لا يشكل سوى 15% من سلسلة الجرائم المرتكبة بحق السكان الأصليين للمدينة المحتلة، نتيجة سياسات التكتم والترهيب.

وصدرت فتاوى عما يسمى بـ "المجلس الإسلامي السوري" الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له لدعم جرائم الحرب في عفرين وسري كانيه وتل أبيض، والتي تدافع عن نهب الممتلكات الخاصة على أنها "جهاد في سبيل الله" ومجرد "غنائم حرب"، ويمكن إدراج تلك الخطابات على أنها تأتي ضمن إطار الكراهية والتمييز العرقي وتبرير للجرائم.

كل تلك الإحصائيات والجرائم تؤكد خرق الاحتلال التركي ومرتزقته اتفاقات جنيف، وجميع البنود المنصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي سياق عمليات السرقة وفرض الإتاوات نفسه، فُرضت الضرائب والإتاوات من قبل مرتزقة الاحتلال وعلى رأسها العمشات والحمزات والمجالس المحلية التابعة لجيش الاحتلال التركي على أصحاب كروم الزيتون، حيث راوحت نسبتها بين 10 إلى 50%، وتصل أحياناً إلى 70% كضرائب على محصول الزيتون وزيت الزيتون.

أما في ملف التغيير الديمغرافي، فقد بُنيت 19 مستوطنة على مدار الـ 7 سنوات السابقة والتي كان آخرها مستوطنة بينت من قبل منظمة JTS الكورية و5 مخيمات لجلب نحو 648 ألف مستوطن من المرتزقة وأسرهم لتغيير ديمغرافية المنطقة الكردية واستبدالها، فقبل احتلالها في 2018، كانت نسبة الكرد في مدينة عفرين 95%، إلا أنهم الآن يشكلون أقل من 20 % فقط من مجمل السكان، مع زيادة تضييق الخناق عليهم، عبر اتباع أساليب التخويف والترهيب.

سرقة للتاريخ

وشهدت المواقع الأثرية في عفرين المحتلة، تدمير جيش الاحتلال التركي ومرتزقته أغلب الأماكن والمواقع الأثرية المدرجة على لائحة اليونيسكو خلال الهجمات على عفرين، مثل "معبد عين دارا، والنبي هوري، وكهف الدودرية، وقبر مار مارون" وغيرها العديد من المواقع الأثرية.

بحسب ما أكدته مديرية آثار عفرين، فإنه يوجد في عفرين نحو (75) تلاً أثرياً، وأن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته حفروا معظم التلال بحثاً عن الآثار واللقى الأثرية، لبيعها خارج الحدود السورية، حيث جرى تهريب أكثر من 16 ألف قطعة أثرية إلى متاحف دولة الاحتلال التركية.

ومنها تلال عريب شيكسو، والديدرية، وزيفينج، وعبيدان، وسيوان، وقرب، وستير، وإن حسيري، وكفر روم، وجومكي، وسينديانج، ودورومي وميدانكي.

بالإضافة إلى تخريب وتدمير أكثر من (55) موقعاً أثرياً ومستودعاً وأكثر من (15) مزاراً دينياً لمختلف المذاهب والأديان وعلى رأسها المزارات الإيزيدية "برسا خاتوم وجيل خانه والملك عدي وقره جرنة"، بالإضافة إلى "الشيوخ حميد وغريب وبركات ومنان"، والعلوية كأضرحة "يغمور دادا وعلي دادا وأصلان دادا".

وتجريف العديد من المقابر وتحويل إحداها إلى سوق للماشية، وتدمير العديد من الجوامع التاريخية، من بينها جامع كمروك، بحجة تصدعه بسبب الزلزال للتنقيب تحته عن الآثار.

ومن بينها تدمير ضريح السياسي الثوري والكاتب الكردي، محمد نوري ديرسمي (1893-1973) جنباً إلى جنب مع زوجته فريدة، مما يدل على الارتباط العرقي بمثل هذه الانحرافات الرمزية.

إيقاف جرائم الإبادة جماعية ...مسؤولية من؟

في حين يصف العديد من الحقوقيين السوريين أن ما يجري يرتقي لوصفه بجرائم الإبادة الجماعية، والتي أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنعها في عام 1948، وتناولت المادة الثانية من الاتفاقية تعريف جريمة الإبادة الجماعية على أنها :"أيا من الأفعال التالية المُرتكبة بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين مثل: قتل أعضاء الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بأعضاء الجماعة، إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا، فرض إجرءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة، نقل أطفال من الجماعة بالإكراه من جماعة إلى أخرى".

وتؤكد الاتفاقية على أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد الأطراف ’"بمنعها والمعاقبة عليها‘" (المادة 1)، وتقع المسؤولية الأساسية في منع الإبادة الجماعية ووقفها على عاتق الدولة التي تقع فيها هذه الجريمة.

إلا أن جيش الاحتلال التركي المحتل للمنطقة ولا سلطة الأسد، والحالية والتي تعتبر المنطقة جزءاً من الأراضي السورية تدخلت لوقف شلال الدم المستمر إلى هذه اللحظة.

سلطة دمشق وملف المناطق المحتلة

على الرغم من أن الإعلان الدستوري الأخير لا يراعي متطلبات المرحلة الحالية نتيجة التهميش الكبير لقرابة 17 مكوّناً من المكونات التي تشكّل المجتمع السوري، والصلاحيات الواسعة التي منحتها لرئيس السلطة، أحمد الشرع، إلا أنه يمكن اعتباره مستنداً قانونياً تنظم السلطة الحالية نفسها وفقه.

ففي المادة الأولى للباب الأول من الإعلان الدستوري والذي يحمل اسم الأحكام العامة، تمت الإشارة إلى أن "الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها".

إلا أنه ورغم مرور نحو 3 أشهر وعشرة أيام من سقوط نظام البعث، لا تزال القوى المحتلة لسوريا تحتفظ بقواعدها وعلى رأسها جيش الاحتلال التركي الذي شرع ببناء قواعد جديدة بالقرب من مطار منغ العسكري بمقاطعة الشهباء المحتلة.

كما أن التوغل العسكري الإسرائيلي للأراضي المحتلة امتد ليشمل 250 كليو متراً مربعاً في الأراضي المتاخمة للجولان، دون أن تبدي سلطة دمشق الحالية أي رد فعل حازمة أمام الطرفين المذكورين الذين يهددان سيادة الدولة السورية.

ولا يزال أكثر من نصف مليون عفريني مهجر ما بين الداخل والخارج بانتظار تأمين قرار للعودة الكريمة بدءاً بإخراج المحتلين والمرتزقة التابعين له، إلى جانب تفريغ السجون وإعادة الممتلكات العامة والخاصة لأصحابها.

وفي المادة السابعة من الإعلان نفسه جاء فيه:

"تلتزم الدولة بالحفاظ على وحدة الأرض السورية، وتجرّم دعوات التقسيم والانفصال، وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج.

تلتزم الدولة بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي وتحفظ السلم الأهلي وتمنع أشكال الفتنة والانقسام وإثارة النعرات والتحريض على العنف".

إلا أن سلطة دمشق اليوم كرّرت أخطاء سابقاتها، فلم تعمل على التنسيق الكامل مع الممثلين الحقيقيين لجميع المكونات المذكورة لإرساء ثقافة الحوار البناء المبني على أساس تشارك الإدارة، وبالتالي تحقيق الاستقرار والسلم الأهلي. بل وضعت إعلاناً دستورياً من جهة واحدة وذو لون واحد، يرتكب تحت بنوده التي بقيت حبراً على ورق جرائم عرقية بحق العلويين في الساحل السوري.

لذا، إذا ما أردنا أن ننهي مأساة أكثر من نصف مليون مواطن امتدت على مدى سبع سنوات، فعلينا أن نبدأ من النقطة المحورية بإشراك العفرينيين في صناعة مستقبل مدينتهم التي طال اللقاء بها عبر الحوار.

(أم)

ANHA