عيد نوروز.. بين الهوية القومية والقمع السياسي

يُعدّ عيد نوروز من أبرز المناسبات القومية لدى الكرد، حيث يحتفلون به سنوياً في 21 آذار. ويتجاوز هذا العيد كونه احتفالاً تقليدياً ليصبح رمزاً للهوية والنضال ضد القمع، وتأكيداً على الوجود القومي. وعلى الرغم من العقود الطويلة من السياسات العنصرية، تمكن الكرد من التمسك بهذا العيد وتحويله إلى محطة سنوية للتأكيد على حقوقهم الثقافية والسياسية.

عيد نوروز.. بين الهوية القومية والقمع السياسي
الجمعة 21 آذار, 2025   02:30
الحسكة
هنار إبراهيم

في الـ 21 من آذار كل عام، يحتفل الكرد حول العالم، بعيد نوروز، مستلهمين منه معاني الصمود والتشبث بالهوية القومية. وتُضاء النيران في القمم والسهول، تعبيراً عن روح المقاومة والأمل بمستقبل أكثر إشراقاً. 

الجذور التاريخية لعيد نوروز

ويرجع تاريخ عيد نوروز إلى عام 612 قبل الميلاد، حيث يعتبر يوم انتصار الميديين على ظلم واضطهاد حاكم نينوى. كما تروي "ملحمة الملوك - شاهنامه" للفردوسي قصة البطل الكردي "كاوا الحداد"، الذي قاد ثورة ضد الملك الشرير "أزدهاك" المعروف بـ"الملك التنين". ووفقاً للأسطورة، أشعل كاوا النيران على سطح القصر إيذاناً ببدء عهد جديد من الحرية، مما جعل النار رمزاً لنوروز عند الكرد.

نوروز في الأدب الكردي

واعتبر الأدباء والشعراء الكرد عيد نوروز مناسبة قومية مقدسة، فكتب الشاعر ملا أحمدي جزيري (1407-1481) قصائد تمجّد نوروز وتصفه بأنه يوم النور الأبدي. وكذلك، احتفى به الشاعر أحمدي خاني (1650-1706) في ملحمة "مم و زين"، فيما وجد فيه الشاعر مولوي (1806-1882) رمزاً للحياة الجديدة. ومن أشهر ما كتب عن نوروز قصيدة الشاعر عبد الخالق الأثيري الكركوكي (1890-1962)، التي حملت مشاعر وطنية وقومية جياشة.

نوروز وكردستان والقمع

ولم يكن الاحتفال بعيد نوروز مقبولاً لدى السلطات التي استعمرت كردستان، إذ فرضت حظراً عليه بذرائع مختلفة، لذلك اضطر الكرد إلى إحياء هذه المناسبة سراً أو تحت مسميات أخرى، مع إضفاء طابع سياسي عليها تأكيداً على هويتهم القومية.

ففي تركيا، يُنظر إلى نوروز على أنه تهديد للأمن القومي، كونه عيداً قومياً يعزز الشعور بالهوية الكردية، التي تسعى السلطات إلى طمسها عبر سياسات القمع والمجازر. ولهذا السبب، تلجأ الدولة التركية إلى مختلف الوسائل القمعية لمنع التجمعات ورفع الرموز الكردية في شمال كردستان، كما تلاحق منظمي الاحتفالات.

إلا أن مقاومة الشهيد مظلوم دوغان في سجن آمد، حين أضرم النار في جسده عشية نوروز عام 1982، أعادت إحياء الاحتفال بهذا العيد في شمال كردستان، ليصبح رمزاً للمقاومة، ويُلقب مظلوم دوغان بـ"كاوا العصر". وتحولت كلماته "المقاومة حياة" إلى شعار يتردد بين الكرد في كل مكان.

ولم يقتصر منع نوروز على تركيا فحسب، بل اتبعت الحكومات الفاشية في العراق وإيران سياسات مشابهة، مستخدمة جميع الأساليب لقمع الكرد ومنعهم من التعبير عن هويتهم القومية.

القمع البعثي لنوروز في سوريا

وفي سوريا لم يكن الأمر مختلفاً، فمع وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، بدأت مرحلة جديدة من القمع الممنهج ضد الكرد، ومنعت السلطات السورية أي مظاهر احتفال بعيد نوروز، واعتبرته "تهديداً للأمن القومي"، حيث كان يُنظر إليه كرمز قومي كردي يعزز الهوية الكردية.

نوروز 1986

وخرج الكرد في دمشق لأول مرة للاحتفال بعيد نوروز علناً يوم 21 آذار عام 1986، فقامت قوات الأمن السورية بقمع المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد المواطن سليمان آدي، ليصبح أول شهيد كردي في سوريا يسقط خلال نوروز على يد النظام.

وفي هذا السياق، قال الشاعر عزيز علي: "خضنا الكثير من التجارب في انتهاكات الدولة السورية البعثية تجاه المكون الكردي، ونوروز بشكل خاص، حيث تعرض للكثير من المضايقات وإغلاق الأبواب أمامنا، بهدف عدم الاحتفال بالنوروز، وذلك من اعتقال، وضرب، والكثير من الانتهاكات الأخرى".

القمع بعد انتفاضة 12 آذار 2004

وبعد انتفاضة قامشلو في 12 آذار 2004، شددت سلطات حزب البعث القمع على أي احتفال بعيد نوروز، حيث تم إطلاق النار على المحتفلين واعتقال المئات منهم.

حيث قُتل ثلاثة شبان في قامشلو عام 2008 برصاص الأمن السوري عندما أضرم المحتفلون النيران أمام منازلهم وكان الشبان الثلاثة يدعون "محمد" ولذلك يطلق عليهم في قامشلو اسم "المحمدون الثلاثة".

كما تعرض الكثير من الكرد القاطنين آنذاك في الرقة وحلب والحسكة إلى العديد من الانتهاكات وتعرضوا للاعتقال بسبب إشعالهم شعلة النوروز والاحتفال بها.

وفي السياق أوضح عزيز علي: "أنا من الأشخاص الذين تعرضوا للانتهاكات والاعتقالات عدة مرات بسبب الاحتفال بليلة النوروز، وذلك على يد القوات الأمنية في مدينة قامشلو والحسكة".

نوروز الرقة 2010

وفي نوروز مدينة الرقة عام 2010 استشهد الطفل الكردي محمد نور وأصيب العشرات بجروح بعد أن أطلق الأمن السوري النار على المحتفلين في المدينة.

انتهاكات واعتقال..

وفي السياق، قال عضو اتحاد المثقفين في مدينة الحسكة عزيز سليمان: "منذ الأزل، تعرض الكرد لأبشع الانتهاكات على يد السلطات الأمنية البعثية، حيث كانت النساء الكرديات يتعرضن للكلام المسيء أو الألفاظ غير الأخلاقية بسبب ارتدائهن الزي الكردي، إضافة إلى سحب الوشاحات والأحزمة الملونة بألوان العلم الكردي منهن".

وتابع سليمان: "السلطات الأمنية كانت ترسل العديد من العملاء والبعثيين إلى احتفالات نوروز من أجل كتابة التقارير عن المشاركين، وكانوا يتعرضون للاعتقال في اليوم التالي مباشرة".

وأكد أن "الأنظمة الاستبدادية والرأسمالية تعادي نوروز لأنه يمثل قيم الحب، التسامح، والسلام، وهم لا يقبلون أحداً غير أنظمتهم الاستبدادية". مؤكداً أنه بعد انطلاق الثورة، بدأ الكرد يحتفلون مع جميع مكونات وأطياف المنطقة بالنوروز ويشعلون شعلة الحرية مع بعضهم.

رمزية نوروز في الثورة السورية

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحوّل عيد نوروز إلى مناسبة للتعبير عن رفض النظام السوري وسياساته القمعية. وأصبح الاحتفال به في مناطق الإدارة الذاتية بعد 2012 علنياً، حيث بدأ الكرد في سوريا يحتفلون بهذا العيد بحرية، رغم استمرار التهديدات الأمنية من المجموعات المرتزقة.

ويؤكد عزيز علي أنه "بعد العام 2011 أيضاً تعرض الشعب الكردي إلى الانتهاكات والمجازر على يد القوات الأمنية وغيرهم من الأنظمة الأخرى، ولولا بناء قوى في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا لتعرض الشعب الكردي للكثير من المجازر الأخرى، ليس فقط في نوروز".

مرتزقة داعش ونوروز.. مجزرة مروعة

عشية نوروز عام 2015، تعرض المحتفلون في حي المفتي بمدينة الحسكة في مقاطعة الجزيرة، لهجومين انتحاريين نفذهما مرتزقة داعش، مما أسفر عن استشهاد 53 مدنياً وإصابة أكثر من 130 آخرين، بينهم أطفال ونساء، في واحدة من أبشع المجازر التي شهدتها هذه المناسبة.

وأشار عزيز سليمان إلى أن "من الأوجاع التي لم ينساها الشعب الكردي المجزرة التي تعرضوا لها عام 2015 خلال انفجار سيارة في احتفالية ليلة النوروز، وراح ضحيتها العشرات من المدنيين بينهم أطفال ونساء".

مرتزقة الاحتلال التركي ونوروز: استمرار المجازر

وفي المناطق التي تحتلها تركيا ومرتزقتها من سوريا وخصوصاً في عفرين وسري كانيه وكري سبي/تل أبيض، لم تتوقف الانتهاكات بحق الكرد في الأيام العادية فكيف في يوم نوروز، حيث لم يعد الكرد في هذه المناطق قادرين على الاحتفال بهذا اليوم.

وعشية نوروز 2023، ارتكب مرتزقة "جيش الشرقية" التابعين للاحتلال التركي مجزرة بحق عائلة كردية في ناحية جندريسه، عندما أطلق المرتزقة النار على أبناء عائلة "بيشمرك" عندما كانوا يوقدون شعلة نوروز أمام منزلهم، مما أدى إلى استشهاد 4 أفراد من العائلة في جريمة عكست استمرار محاولات طمس الهوية الكردية.

نوروز اليوم: بين الهوية القومية والاعتراف الرسمي

وبعد سنوات من الحظر، تم الاعتراف رسمياً بعيد نوروز في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، حيث أصبح عطلة رسمية يتم فيها تنظيم احتفالات واسعة، تتضمن إشعال النيران، وارتداء الملابس الفلكلورية الكردية، وتأدية الرقصات الشعبية. ولكن في المناطق ذات الغالبية الكردية التي تحتلها تركيا ومرتزقتها لا يزال الاحتفال بعيد نوروز محظوراً، ويواجه الكرد تهديدات أمنية في حال مشاركتهم في أي فعاليات علنية مرتبطة بهذه المناسبة. في حيث لا يُعلم بعد كيف ستتصرف سلطات دمشق الجديدة حيال هذا العيد، إذ سيكون هذا العيد أول اختبار لها ولمدى تقبلها لتنوع المجتمع السوري.

محتفلون آخرون بعيد نوروز

على مر التاريخ، كان الكرد يحتفلون بعيد نوروز كعيد قومي يؤكدون فيه هويتهم ويقومون بتنفيذ طقوس تقليدية، مثل ارتداء الملابس الكردية الفلكلورية، والخروج إلى الطبيعة، وإشعال النيران على رؤوس الجبال والقمم عشية 21 آذار. كما يشمل الاحتفال الاستماع إلى الأغاني والموسيقى الكردية، وأداء الرقصات الشعبية، وأصبح اليوم مناسبة للتعبير عن المواقف السياسية.

ولكن الاحتفال بنوروز لا يقتصر على الشعب الكردي فقط، بل يمتد ليشمل العديد من الشعوب الأخرى مثل الفرس والآذريين والبشتون، وكذلك شعوب بلدان مثل تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان.

ومعظم المحتفلين بنوروز حول العالم يرتدون الملابس التقليدية المزخرفة والملونة التي تمثل ألوان الربيع وتعبّر عن ثقافتهم. في إيران، يعد نوروز بداية السنة الفارسية، ويرمز إلى انتصار النور على الظلام.

أما في بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة مثل قرغيزستان، فقد كان الاحتفال بنوروز محظوراً لفترة طويلة باعتباره عيداً مرتبطاً بالدين الزرادشتي. وفي مصر، كان الفراعنة يحتفلون بهذا اليوم، وأحيته الدولة الفاطمية تحت مسمى "النوروز القبطي" أو عيد "شم النسيم".

وفقاً لليونسكو، يحتفل ما يقرب من 300 مليون شخص حول العالم بعيد نوروز. وفي جلسة شباط/فبراير 2010، قررت اليونسكو إدراج نوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وأعلنت يوم 21 آذار "يوم نوروز الدولي".

(ح)

ANHA