العلويون في سوريا – 3

عند اندلاع الحراك الشعبي في 2011، اختار غالبية العلويين دعم نظام الأسد خوفاً من الاضطهاد الطائفي. ورغم وجود أصوات معارضة، ظل الموقف العلوي غير موحد بسبب القمع الشديد للنظام. ومع سقوط الأسد في 2024 على يد هيئة تحرير الشام، تحول الفرح إلى كابوس بسبب الاضطهاد والطائفية، مما يضع مستقبل العلويين في سوريا في خطر، ويعتمد على تحقيق مصالحة وطنية شاملة قائمة على العدالة والمساواة.

العلويون في سوريا – 3
الثلاثاء 25 آذار, 2025   07:15
مركز الأخبار  
ضياء اسكندر

العلويون وثورة 2011: سقوط بشار الأسد والمصير

عند اندلاع الحراك الشعبي في سوريا عام 2011، وجد العلويون أنفسهم أمام معضلة وجودية حادة: إما الوقوف إلى جانب النظام الذي وفّر لهم الحماية والنفوذ لعقود، أو الانحياز إلى مطالب الشارع المطالبة بالحرية والعدالة. في النهاية، اختار غالبية العلويين دعم نظام الأسد، مدفوعين بخوف عميق من أن يؤدي سقوط النظام إلى تعرضهم للاضطهاد على يد الأغلبية السنية، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الطائفي ووصول جماعات إسلامية متطرفة من مختلف بلدان العالم وشكلوا تنظيمات تكفيرية مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش، التي ارتكبت فظائع طائفية في المناطق التي سيطرت عليها.

استغل بشار الأسد هذا الخوف ببراعة، ورسم للعلويين صورة قاتمة لمستقبلهم في حال سقوط نظامه، حيث قدم لهم خيارين: إما البقاء تحت حكمه المستبد ولكن الآمن نسبياً، أو مواجهة مصير مجهول مع انتصار الجماعات الإسلامية المتطرفة وما قد يرافق ذلك من انتهاكات طائفية.

نتيجة لذلك، اختارت الأغلبية من العلويين الوقوف إلى جانبه، حتى لو كان ذلك يعني دفع ثمن باهظ من دماء وأرواح، حيث سقط عشرات الآلاف منهم بين قتيل وجريح ومشوه خلال سنوات الحرب.

ومع ذلك، لم يكن الموقف العلوي من النظام موحداً تماماً، فقد برزت أصوات علوية معارضة، وإن كانت محدودة، دعت إلى التغيير وانتقدت سياسات الأسد. لكن هذه الأصوات ظلت هامشية بسبب الخوف من القمع الشديد الذي يمارسه النظام ضد أي شكل من أشكال المعارضة، مما جعلها غير قادرة على التأثير بشكل كبير على مجرى الأحداث.

وصولاً إلى سقوط بشار الأسد

في صبيحة الثامن من كانون الأول 2024، سقط نظام بشار الأسد على يد هيئة تحرير الشام وحلفائها، بدعم وتخطيط إقليمي ودولي، في حدث أدهش العالم بسرعته المذهلة. ففي غضون 11 يوماً فقط، تمكنت الهيئة من الوصول إلى العاصمة دمشق، ما أجبر بشار الأسد على الفرار إلى موسكو. وتسلّم أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) زمام السلطة، حيث جلس على عرش القصر الجمهوري، معلناً بداية عهد جديد.

في البداية، لاقى سقوط النظام ترحيباً شعبياً واسعاً، حتى من قبل أفراد الطائفة العلوية الذين أظهروا فرحاً وابتهاجاً غير مسبوق، معتبرين أنهم تخلصوا أخيراً من عقود الاستبداد التي عانوا منها. وأعلن الكثيرون ولاءهم للعهد الجديد، آمِلين في فجرٍ من الحرية والعدالة. لكن فرحتهم لم تدم طويلاً.

سرعان ما بدأت هيئة تحرير الشام بتشكيل حكومة انتقالية من لون واحد، وأصدرت سلسلة من القرارات الجذرية، مثل حل الجيش والشرطة، وإيقاف العمل بالدستور، وحل الأحزاب السياسية، وتسريح الموظفين، والاستيلاء على المنازل دون وجه حق.

كما بدأت ممارسات طائفية ممنهجة ضد العلويين، بدءاً من الاعتداء على مزار ديني يخصهم في مدينة حلب، وصولاً إلى المجازر المروعة التي وقعت في الساحل السوري بين السادس والعاشر من آذار 2025. تلك المجازر أودت بحياة الآلاف من الرجال والأطفال، بالإضافة إلى نساء، في أحداث دموية هزت الضمير الإنساني.

وهكذا، تحولت آمال العلويين في التحرر من الاستبداد إلى كابوس جديد من القمع والاضطهاد، مما جعل مستقبلهم أكثر غموضاً وإيلاماً.

مستقبل العلويين مرتبط ببناء مجتمع يعترف بالتنوع

العلويون في سوريا يمثلون مجتمعاً عانى لعقود من التهميش والاضطهاد، لكنهم تحولوا مع الوقت إلى لاعب مركزي في المشهد السياسي السوري الحديث، خاصة بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970. ومع ذلك، فإن مستقبل العلويين، كجزء من النسيج الاجتماعي السوري، يعتمد بشكل كبير على قدرة سوريا على تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وشاملة. هذه المصالحة يجب أن تتجاوز الخطابات الطائفية وتعمل على بناء دولة تقوم على العلمانية أي على مبادئ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، حيث يمكن لجميع الطوائف والمكونات أن تعيش بسلام وأمان، دون خوف من الاضطهاد أو الانتقام.

لكن تحقيق هذه المصالحة لن يكون أمراً سهلاً، خاصة في ظل الإرث الثقيل من الدماء والكراهية الذي خلّفته الحرب الأهلية. يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، بالإضافة إلى دعم دولي وإقليمي يضع مصلحة الشعب السوري فوق أي اعتبارات أخرى.

في النهاية، مستقبل العلويين، مثل مستقبل جميع السوريين، مرتبط بقدرة البلاد على تجاوز ماضيها الدامي وبناء مستقبل يعترف بالتنوع كقوة، وليس كسبب للانقسام. فقط من خلال العدالة والمساواة يمكن لسوريا أن تخرج من دوامة العنف وتضمن مستقبلاً آمناً ومستقراً لأجيالها القادمة.

(ح)

ANHA