نكهات بلاد الرافدين على مائدة أهالي الجزيرة
على وهج الحطب ورائحة السمك المشوي، تنبعث من دوار الإطفائية في مدينة الحسكة نكهة تحمل عبق دجلة والفرات... هنا، لا تحتاج للسفر إلى بغداد أو البصرة لتتذوق "المسكوف" العراقي الشهير، فقد جلبه "خضر العلي"، بطريقته التراثية، ليحط رحاله في شمال وشرق سوريا.
في تجربة طهي فريدة تعكس التمازج الثقافي بين الشعوب، استطاع المواطن خضر العلي، ذو الأصول العراقية، أن ينقل واحدة من أبرز أيقونات المطبخ العراقي التقليدي إلى مدينة الحسكة في مقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا. وذلك من خلال افتتاحه مطعم "أسماك العراقي"، القائم قرب دوار الإطفائية، والذي يُقدم فيه طبق "المسكوف" الشهير، بطريقة تقليدية تحفظ نكهته الأصلية، وتدمجه بذوق المطبخ المحلي.
المسكوف.. طبق عراقي بنكهة الحطب السوري
ويُعد المسكوف العراقي من أشهر الأطباق في المطبخ الرافديني، ويُحضّر عن طريق شيّ السمك على نار الحطب، في طقس يُمارس منذ قرون على ضفاف دجلة والفرات. ويقوم مطعم "أسماك العراقي" بإعداد الطبق باستخدام أخشاب أشجار التفاح، والخوخ، والمشمش، والتي تضفي على اللحم نكهة فريدة تختلف تماماً عن نكهات الفحم أو الغاز المعتادة.
ويُستخدم في الطبق سمك "الكرب" و"الزازان" المعروفين باللهجة العراقية بـ"البني" و"السمتي"، وهما من الأنواع التي تحتفظ بقوامها الطري أثناء الشواء البطيء وتتشرب النكهات بشكل ممتاز.
فكرة ابن تتحول إلى مشروع ناجح
وفي حديث خاص مع مراسلنا، قال خضر العلي: "أقيم في الحسكة منذ أكثر من 15 عاماً، وقرب المدينة من الحدود العراقية شجعني على البقاء والعمل هنا. كانت فكرة المطعم من اقتراح ابني المقيم في دهوك، الذي يعمل في المجال ذاته. قال لي: (أبي، افتح مطعماً وقدّم فيه المسكوف)، وترددت في البداية خوفاً من عدم تقبّل الناس للأطباق العراقية، لكنه طمأنني قائلاً إن الكثير من زبائنه هم من السوريين، فقررت خوض التجربة".
وأشار إلى أن المطعم قدّم في البداية 14 وصفة مختلفة، إلا أن طبق المسكوف لاقى إقبالاً لافتاً من الزبائن، نظراً لأنه "طبق طبيعي وصحي يُشوى على نار غير مباشرة دون إضافات صناعية".
طريقة شواء أصيلة بلمسة محلية
وأوضح العلي أن طريقة الشواء تعتمد على تثبيت السمك بمواجهة النار، دون أن تلامسه، كي لا يجف اللحم أو يحترق، بل يحتفظ بعصارته ونكهته.
وأضاف: "عدلت قليلاً على الوصفة الأصلية لتتناسب مع الذوق المحلي في الحسكة، فأضفت المزيد من البهارات والملح، وهو ما جعل الطعم أقرب إلى النكهة السورية دون فقدان الروح العراقية".
حب التجربة والانفتاح ساعد على الانتشار
ويعزو العلي نجاح المطعم إلى حب التجربة لدى سكان الحسكة، إذ إن كثيرين من زبائنه سبق أن تذوقوا المسكوف خلال زياراتهم إلى العراق أو جنوب كردستان، ويتفاجؤون بوجوده هنا في المدينة.
وقال: "الناس هنا يحبون تجربة أشياء جديدة، ويُقبلون على الأطعمة غير التقليدية. هذا الفضول ساعدني كثيراً في ترسيخ الوجبة في أذهان الزبائن".
الاستقرار عامل أساسي في نجاح المشروع
وأكد خضر العلي في ختام حديثه أن الظروف الأمنية المستقرة في المنطقة شجعت على افتتاح المشروع، قائلاً: "لا نواجه تحديات تُذكر حالياً، فالأمن والاستقرار الموجودان في الحسكة سهّلا كثيراً من عملنا، وأتاحا لنا أن نركز على تقديم وجبة مميزة بجودة عالية".
(ح)
ANHA