كوباني عقدة دولة الاحتلال التركي

لم تسقط كوباني بيد داعش، الذي عوّلت عليه دولة الاحتلال التركي ودعمته لسنوات، ويسقط رهان الدولة التركية على أسوار المدينة، وتحوّل اسمها إلى عقدةٍ وكابوس للمخطط العثماني الذي تحاول تركيا تحقيقه باحتلالها للمدينة منذ 13 عاماً.

كوباني عقدة دولة الاحتلال التركي
الأحد 26 كانون الثاني, 2025   04:55
كوباني

توقفت المعارك في كامل الجغرافيا السورية مع إعلان نبأ سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول من العام الفائت، فيما أعلنت الإدارة الذاتية قبل ذلك بأيام "النفير العام" في مواجهة التهديدات الوجودية لمشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

أدى احتلال مدينة منبج من قبل المجموعات المرتزقة التابعة للاحتلال التركي في 7 كانون الأول، لوصول المرتزقة إلى جنوب مدينة كوباني بـ 30 كم، بالقرب من جسر قرقوزاق الفاصل بين شرق الفرات وغربه، إلى جانب وصولها أيضاً إلى محيط سد تشرين جنوب كوباني بـ 70 كم، مع خوض قوات سوريا الديمقراطية مقاومة ضد تقدم المرتزقة في الموقعين.

وما إن بدأت دولة الاحتلال التركي حشد قواتها على مقربة من مدينة كوباني قبل أسابيع من الآن، حتى استشعر الكردستانيون والسوريون ودول أوروبية ومسؤولون غربيون خطر المساعي التركية ضد المدينة التي تشكل رمزاً للشعب الكردي وللسكان في شمال وشرق سوريا، وأعربوا عن دعمهم لكوباني.

تعيد الهجمات الحالية التي يشنها مرتزقة دولة الاحتلال التركية ضد أرياف كوباني، بمساندة جوية من الطائرات الحربية، المخطط الأساسي لتركيا تجاه إقليم شمال وشرق سوريا ومشروع الإدارة الذاتية إلى الأذهان، والتي تشكل مدينة كوباني عقدة هذا المخطط.

لا تخفي دولة الاحتلال التركي نواياها في سعيها لاحتلال كامل شمال سوريا والعراق وضمها إلى الأراضي التركية، وفقاً لما يعرف باسم "الميثاق الملي" وهو الدستور الذي رسمت فيه الخريطة التركية عام 1920 بقيادة مصطفى كمال أتاتورك.

داعش.. رهان تركيا الفاشل في كوباني

في بداية عام 2014، ومع سيطرة داعش بسرعة كبيرة على مساحات واسعة من سوريا والعراق، بما فيها مدينتا الموصل والرقة، وجّهت دولة الاحتلال التركي داعش إلى مدينة كوباني للقضاء على واحدة من 3 مقاطعاتٍ تتمتع بالإدارة الذاتية في شمال سوريا وقتها.

قدّمت تركيا السلاح والدعم اللوجستي وفتحت حدودها لعبور ما يقارب 40 ألف داعشي من أصقاع الأرض إلى سوريا والعراق، حيث حوّلت مدناً في الجنوب على الحدود مع سوريا، إلى مراكز لنشاط داعش وعائلاته على مدى سنوات.

استمرت المعارك لأسابيع ولم ينجح داعش وبدعمٍ تركي في احتلال كوباني، في الوقت الذي أعلن فيه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ بدء غاراته الجوية ضد داعش ودخول مجموعة مقاتلي البيشمركة ومقاتلين من مناطق مختلفة من كردستان إلى كوباني.

إعلان اليوم العالمي للتضامن مع مقاومة كوباني

أدركت شعوب العالم مدى خطورة سيطرة داعش على المدينة، حيث خرجَ ملايين المتظاهرين حول العالم في 93 دولةٍ؛ مثل الأرجنتين، واليابان، وأفغانستان، ومصر، والمغرب وتركيا إلى جانب أغلب الدول الأوروبية، في احتجاجاتٍ عارمة؛ دعت الحكومات إلى التحرك في ظل دفاع عشرات المقاتلين والمقاتلات عن آخر أحياء المدينة التي كانت على وشك السقوط بشكلٍ كامل بيد داعش.

وأُعلن عن اليوم العالمي للتضامن مع كوباني في الأول من تشرين الثاني؛ حيث اجتاحت المظاهرات الطرق الرئيسة في كبرى المدن حول العالم والمطارات، وأمام السفارات التركية تنديداً بالدعم التركي المباشر لداعش.

بينما شكّل النفير العام الذي أعلنه القائد عبد الله أوجلان في جزيرة إمرالي، والذي دعا المجتمع الكردستاني إلى الدفاع عن كوباني، منعطفاً حاسماً في المعركة التي عدّها الكرد "مصيرية".

حيث دخل عشرات الشبان والشابات إلى المدينة للدفاع عن كوباني؛ قادمين من مناطق مختلفة من شمال وجنوب وشرق كردستان، إلى جانب مقاتلين أمميين من دولٍ مختلفة حول العالم.

فيما أدت فعاليات الشعب في شمال كردستان، من خلال الجدار البشري الذي شكلوه على الحدود مع المدينة، دوراً مهماً في فك الحصار عن المقاتلين من الجهة الشمالية.

في 26 كانون الثاني عام 2015، حررت وحدات حماية الشعب والمرأة ومقاتلين من الجيش السوري الحر بدعمٍ من التحالف الدولي مدينة كوباني من داعش وأعلن النصر بعد 134 يوماً من المعارك.

جيش الاحتلال التركي يدخل سوريا بعد فشل داعش

فشل المخطط الداعشي، وذلك ما أفضى إلى دخول الدولة التركية مباشرة في الحرب السورية واحتلال مناطق واسعة بحجة حماية "أمنها القومي".

لم تستطع دولة الاحتلال التركي قبول انهيار حليفها داعش أمام أنظارها على يد أبناء المنطقة، حيث شنّت هجمات على مقاطعة عفرين في كانون الثاني 2018 بعد أشهر من تحرير قوات سوريا الديمقراطية مدينة الرقة عاصمة داعش المزعومة، وفي 9 تشرين الأول، هاجم الاحتلال التركي منطقتي سري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض واحتلتهما، وهجّر مع مجموعاته المرتزقة، مئات الآلاف من الكرد والعرب والسريان من ديارهم انتقاماً لداعش.

انخفض مستوى التضامن العالمي مع السوريين الذين يواجهون وحشية دولة الاحتلال التركي الداعمة الرئيسة لداعش، وعلى الرغم من أن العدوان التركي تجاه مقاطعة عفرين ومنطقتي سري كانيه وكري سبي كان أكثر وحشية ودموية، وشارك فيه داعش إلى جانب الجنود الأتراك في مهاجمة هذه المناطق السورية، لم تتحرك القوى الدولية حيال أكبر عملية تهجيرٍ وتغييرٍ ديمغرافي يشهده الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين.

وفي الوقت الذي تشكل الدولة التركية منطلقاً لآلاف المرتزقة باتجاه سوريا، والعراق، وأذربيجان، وأفغانستان وشمال أفريقيا، تتسع دائرة الخطر ضد جميع دول العالم، فالهجمات التي طالت شمال وشرق سوريا، تمكنت من خلاله تركيا من تهريب العشرات من أخطر المرتزقة في العالم من مخيم عين عيسى شمال وشرق سوريا أثناء هجماته ضد كري سبي/ تل أبيض.

هجوم في محيط كوباني ومقاومة سوريّة ضد الأطماع تركيا الاحتلالية

تحتل تركيا أجزاء كبيرة من شمال سوريا، وبحجة حماية أمنها القومي تسعى لاحتلال كامل شمال البلاد، وربط منطقة كري سبي/تل أبيض شرقاً بمنطقة جرابلس غرباً والتي تشكل كوباني عقدة هذا المخطط، حيث تحاصر كوباني اليوم من 3 جهات؛ الشرقية، والغربية والشمالية.

لم تتوقف الحرب ضد كوباني منذ 13 عاماً، مع تذبذب مستوياتها، فمنذ 7 كانون الأول 2014 شنت المجموعات المرتزقة التابعة لتركيا، من بينهم بقايا داعش؛ بدعمٍ جوي غير مسبوق بالطائرات الحربية والمسيّرة، هجوماً عنيفاً يستهدف جسر قرقوزاق ومحيط سد تشرين للسيطرة عليهما والعبور إلى شرق الفرات.

وتخوض قوات سوريا الديمقراطية مقاومة تاريخية، منذ أكثر من شهرٍ ونصف في محيط سد تشرين، وتمنع المرتزقة من التقدم ومحاصرة كوباني من الجنوب.

فيما يتوجّه أهالي شمال وشرق سوريا، عبر قوافل مدنية إلى سد تشرين لحماية السد من الانهيار ولإيقاف الهجمات التي تشنه دولة الاحتلال، على الرغم من أن الاحتلال ارتكب المجازر بحق المدنيين واستشهد 21 مدنياً إلى الآن، فإن الأهالي مصرون على البقاء وحماية السد.

كوباني التي انطلقت منها شرارة ثورة 19 تموز، لا تزال تشكل منبعاً معنوياً للمشروع الديمقراطي الذي بات يشع بنوره أرجاء العالم، وكان اليوم العالمي للتضامن مع كوباني شرارة اتحاد الأمم لحماية الثورة الديمقراطية التي تشهدها روج آفا في ظل الفوضى التي تعصف بالشرق الأوسط.

وستفتح دولة الاحتلال التركي من خلال أيّ هجومٍ ضد كوباني أبواب الجهنم على المنطقة برمتها وسيعود بسوريا والمنطقة إلى المربع الأول، وخاصة أن الكرد يعدّون كوباني الجبهة الأمامية للدفاع عن الوجود الكردي ولا تنازل عنها.

(ز س/د)

ANHA