تقييمات القائد عبد الله أوجلان بصدد المؤامرة الدولية– 4
يؤكد القائد عبد الله أوجلان، أن نتائج المؤامرة الدولية التي استهدفته امتدت إلى الأتراك بقدر ما طالت الكرد، حيث صُمم تسليم القائد لإطالة الصراع بدلاً من حله، مما يضمن استمرار الهيمنة الغربية. سعت القوى المهيمنة لتكريس الصراع التركي-الكردي بطريقة مشابهة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، مع استخدام أدوات مثل الغلاديو لتقسيم الشعوب وإخضاعها. في مواجهة ذلك، ركّز القائد في مرحلة إمرالي على تطوير حلٍّ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ يُفشل مخططات الاستعباد والتصفية، ويؤسس لسلامٍ دائم قائم على إرادة الشعوب.

في الجزء الرابع من تحليلات القائد عبد الله أوجلان عن المؤامرة الدولية التي استهدفته في الـ 9 من تشرين الأول عام 1998، وانتهت باعتقاله يوم 15 شباط عام 1999، يتحدث القائد بشكل مستفيض عن نتائج هذه المؤامرة.
نتائج المؤامرة
يتحدث القائد في مرافعته المعنونة بـ "مانيفستو الحضارة الديمقراطية -القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية"، وكذلك مرافعته المعنونة بـ "المدنية"، عن نتائج المؤامرة، ويقول ما يلي:
أ- لَم تُنسَجْ خيوطُ المؤامرةِ ضد الكردِ فقط متمثلين في شخصي، بل وضد الأتراكِ أيضاً. فشكلُ تسليمي، ونيةُ الذين لهم دورُهم في ذلك لا يشيرُ إلى الحلِّ والحدِّ من الإرهاب؛ بل تجذيرُ وتعبيدُ أرضيةِ الخِلافِ والشِّقاقِ بحيث سيَطُولُ قرناً آخر من الزمن. وإيقاعُهم إياي في فخِّ المؤامرة، كان قد قدَّمَ لهم فرصةً مثاليةً لتحقيقِ نواياهم المُغرضةِ تلك. وكانوا سيطمعون في انتهازِ هذه الفرصةِ حتى الأخير. إذ ما كان ممكناً التفكيرُ بالعكس. حيث لو أنهم شاؤوا، لَكان بمقدورِهم الإسهام في إنجازِ مستجداتٍ إيجابيةٍ جداً في هذا الاتجاه. لكنهم كانوا يدفعون الأمورَ نحو الهاويةِ دوماً، ويُصَيِّرون المشكلةَ عقدةً كأداء بدلاً من حلِّها. كانت ثمة مساعٍ لخلقِ ثنائيةٍ نموذجيةٍ على غرارِ ثنائيةِ إسرائيل – فلسطين. فكيفما خدمَ الصراعُ الإسرائيليُّ – الفلسطينيُّ الهيمنةَ الغربيةَ في الشرقِ الأوسطِ قرناً كاملاً من الزمن، فكان بإمكانِ الصراعِ التركيِّ – الكرديِّ الأوسع آفاقاً بكثير، أنْ يخدمَ حساباتِ الهيمنةِ قرناً آخر من الزمن بأقلِّ تقدير. وقد رُوعِيَ الهدفُ عينُه أساساً، أثناء تصعيدِ العديدِ من القضايا الإثنيةِ والمذهبية، وجعلِها تتخبطُ في اللا حلِّ ضمن المنطقةِ خلال القرنِ التاسع عشر. لقد أَنضجَت حقيقةُ إمرالي معلوماتي الخام جيداً في هذا المضمار. إلا إنّ المعضلةَ الأهمَّ التي انتصبَت في وجهي، كانت إفهامَ ذلك إلى المسؤولين الأتراك.
ب - بالتالي، فإقناعهم بأنّ المؤامرةَ مُحاكةٌ ضد الأتراكِ أكثر منه ضدي أو ضد الكرد، كان قد أمسى أهمّ إشكالٍ لديّ. وكنتُ أشدِّدُ على ذلك مراراً إزاء المُحَقِّقين معي. لكنّ هؤلاء كانوا مهووسين بنشوةِ النصر. وقد استمرَّ موقفُهم هذا إلى أنْ أدركوا عامَ 2005 أنّ حركةَ الهويةِ والحريةِ الكردية ازدادَت حيويةً وانتعاشاً عما كانت عليه في الماضي. ولدى تركيزي على الموضوعِ بإمعانٍ أكبر، رأيتُ من كثب العناصرَ التآمريةَ الكائنةَ خلال عهد الملكية الدستوريّة وعهدِ الجمهورية. وفَطِنتُ إلى أنّ الحدثَ المسمى بالاستقلالِ التركيّ، ما هو إلا أسوأُ أشكالِ التبعية. لقد كانت تبعيةُ الأتراكِ أيديولوجيةً وسياسية. ومع مُضِيِّ الوقت، استطعتُ الإدراكَ أكثر فأكثر بأنّ القومويةَ والوطنياتيةَ المُنشَأَتَين ذاتا منشأٍ غريب، وأنّ علاقتَها نادرةٌ جداً مع الظاهرةِ الاجتماعيةِ التركيةِ وتاريخِها. لقد كانت القوى المهيمنةُ عالِمةً بمدى ضعفِ النخبةِ الحاكمةِ التركيةِ بشأنِ السلطة، وتستفيدُ منه. كما إنّ السيطرةَ اللامحدودةَ التي بسطَتها هذه الأخيرة على الكرد، كانت تتأتى من نقاطِ الضعفِ عينِها. لكنّ هذا التحكمَ كان يَأسِرها في الوقت نفسِه. فحاكميتُها كانت موَجَّهةً على الدوام، وكانت تفتقرُ إلى الأيديولوجيةِ الذاتية. أو بالأحرى، كانت تُفَعَّلُ ميدانياً قاعدةُ "الحاكميةُ كلُّ شيء، والأيديولوجيا لا شيء".
ج- اتبعت قوى الهيمنة أسلوبُ "اهرب يا أرنب، امسِكْه يا كلبَ الصيد" لتكريسِ الصراعِ التركيِّ – الكرديّ، بحيث سيسقط الأرنبُ وكلبُ الصيدِ مُنهَكَين في هذه المطاردة، وسينهمكان في نهايةِ المطافِ بخدمةِ أربابِهما دون قيد وشروط، وما طُبِّقَ عليَّ شخصياً، إنما كان يؤكدُ إتباع هذا الأسلوب. فمواقفُ المفوضيةُ الأوروبيةُ من جهة، وقراراتُ محكمةِ حقوقِ الإنسانِ الأوروبية من الجهةِ الثانية؛ كانت تخدمُ مزاولةَ هذه السياسةِ بكلِّ ما للكلمةِ من معانٍ. ومنطقُ ربطِ الطرفَين بذاتِهم بلا حدود هو الذي كان سارياً. لَم يَكُن الهدفُ من ذلك إحلالَ العدالةِ واستتبابَ الحلّ. لذا، فقد بنيتُ مرافعاتي على فضحِ هذا المنطقِ بالأكثر. ذلك أنّ إجلاسَ شبكةِ الغلاديو على قمةِ جهازِ الدولةِ بشكلٍ لا نظير له في أيِّ بلدٍ من بلدانِ حلف الناتو، أمرٌ يستحيلُ إيضاحُه بالنوايا الطيبةِ ودواعي الأمن. بل كانوا قد تغاضَوا عن امتدادِ الغلاديو داخل تركيا، بوصفه يضعُ زِمامَ الأمورِ في حوزتِهم من جهة، ويقدمُ لهم فرصةً لا مثيل لها للتحكمِ بالبلدِ على مزاجِهم. ولدى التمحيصِ في شبكةِ الغلاديو ككلٍّ متكاملٍ من كثب، وإماطةِ اللثامِ عن فلسفتِها؛ فسيُلاحَظُ أنّ الغايةَ تتجسدُ في احتلالِ البلدِ من أقصرِ الطرق، وتقسيمِ شعبِه إلى أجزاء مُؤَلَّبةٍ على بعضِها البعض. هذا ويكشفُ هذا الواقعُ عن نفسِه ضمن امتداداتِهم التي في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ على وجهِ الخصوص، من خلالِ الممارساتِ المُعاشةِ بكثافة. لقد كانت هذه الوسيلةَ الأكثرَ تأثيراً للتحكمِ بشعبٍ ما. حيث يستفزون الشعبَ ضد الدولةِ من جانب، ويحرضون كِلَيهما على سحقِ بعضَيهما بعضاً من جانبٍ ثان. كما كانوا يقضون على مَن يَرَونه خطيراً بإتباع الأسلوبِ عينِه. لقد كانت هذه الظاهرةَ لافتةً للانتباهِ بنحوٍ فاقعٍ في حقيقةِ الحُكمِ داخل تركيا خلال الأعوامِ الستين الأخيرة. إذ وكأنّ البلدَ قد صُيِّرَ مختبَراً لتسييرِ اشتباكاتِ ونزاعاتِ الغلاديو. فالصِّداماتُ التي تسبَّبَ بها الغلاديو في كل مراحلِ PKK الهامةِ لوحدِها، كانت كافيةً وافية لوضعِ حدٍّ نهائيٍّ لعلاقاتِ الصداقةِ التقليديةِ المستمرةِ منذ قرونٍ مديدةٍ بين الدولةِ وشعوبِها.
د- قيَّمتُ مرحلةَ إمرالي كمِحفلٍ نموذجيٍّ لإفسادِ هذه اللعبة. فعززتُ أرضيتي النظريةَ اللازمةَ من أجلِ ذلك. وطوَّرتُ جميعَ المقوماتِ الفلسفيةِ والعمليةِ اللازمة لاستتبابِ السلامِ وتوفيرِ شروطِ الحلِّ السياسيّ. وركزتُ على خصوصيةِ الحلِّ السياسيِّ الديمقراطيّ. لقد كان بمقدورِ هذه الأنشطةِ العصيبةِ والتي تستلزم الصبرِ وسِعَةِ الصدر، أنْ تُحَطِّمَ جدرانَ الدواماتِ العقيمةِ للمؤامرة، وتخلقَ بدائلَ الحلِّ المُرتَقَب. لَم يَكُنْ أمامي في هذا المضمارِ سوى الثقةُ بالنفس. في الحقيقة، كانت نوايا القائمين على مهامِّهم في سياقِ المؤامرةِ مختلفة. إذ كانوا يتطلعون إلى إنهاءِ وجودِ PKK وحركةِ الحريةِ متجسداً في شخصي. هذا كانت ممارساتُ السجنِ وجميعُ مواقفِ محكمةِ حقوقِ الإنسانِ الأوروبيةِ والاتحادِ الأوروبيِّ مرتبطةً بهذه الغاية. كان يتم التطلع إلى حركةٍ كرديةٍ مُنَقّاةٍ مني. يُرادُ خلقُ نسخةٍ حديثةٍ للتواطؤِ التقليديّ، بحيث تَكُونُ مخصيةً ومُسَخَّرةً لخدمةِ أسيادِها. وفعالياتُ أمريكا والاتحادِ الأوروبيِّ على المدى الطويلِ بشكلٍ خاصٍّ كانت تتمحورُ حول ذلك. وقد كانوا منفتحين على التحالفِ مع النخبةِ التركيةِ الحاكمةِ بناءً على هذه الأرضية. باختزال؛ فنموذجُ الخَصيِ هذا، الذي نجحَت الهيمنةُ الإنكليزيةُ بوجهٍ خاصٍّ في تطبيقِه على حركةِ الطبقةِ العاملةِ ثم على حركاتِ التحررِ الوطنيِّ والحركاتِ الثوريةِ والديمقراطية، قد أحرزَ النصرَ مع أسلوبِ حقوقِ الإنسانِ وحرياتِه الليبرالية. حيث قاموا بتصفيةِ القياداتِ والتنظيماتِ الثورية. وعلى غرارِ أساليبِ التصفيةِ التي مارسوها طيلةَ قرونٍ عديدة، كان يُطَبَّقُ أسلوبٌ مشابهٌ على PKK والحركةِ الثوريةِ وحركةِ المساواةِ والحرياتِ العامةِ أيضاً. كانت هذه هي النتيجةُ الأوليةُ المأمولةُ من سياقِ إمرالي، وهذا هو المخططُ المَعمولُ عليه بكثرة، بهدف تطبيقُه بمهارة. وقد كانت الإستراتيجية والتكتيكاتُ تُصاغُ مُؤَطَّرةً بهذا المخطط. أما المرافعةُ التي طوَّرتُها مقابلَ ذلك، فلَم تَكُنْ تعتمدُ على الموقفِ الأرثوذكسيِّ الدوغمائيِّ التقليديّ، ولا على إنقاذِ نفسي وتحسينِ ظروفي. بل إنّ طريقَ الحلِّ السلميِّ والديمقراطيِّ المُشَرِّفِ والمبدئيِّ والمتماشي مع واقعِ الشعوبِ التاريخيِّ والاجتماعيّ، هو الذي رسمَ مسارَ مرافعتي.
(ح)
ANHA